Khayr al-Dīn ibn Ilyās, Kitāb Falāḥ al-fallāḥ, ‘The Successful Farmer’.
(transcription of manuscript No. 894, King Saud University Library, Riyadh)



الباب الخامس عشر

فى بيان حكم التغنى ورفع الصوت بالاشعار عند سياق السانيه كما هو دابُ الفلاحين فى جميع الاعصار وحكم سماع ذلك منهم فاعلم رحمنى الله واياك ان التغنى له تاثير عظيم فى استمالة القلوب وتنتعش به جميع الارواح الادميه وغيرها حتى الحيوانات الغير الناطقه كما ذكره الحكما وربما يحكى ان الجواميس اذا فارقت اماكنها وغابت عنها اياما فاذا اراد صاحبها عودها جمعوا اصحاب الات الملاهى التى تعتادها الجواميس وخرجوا فى طلبها فاذا سمعت الجواميس صوت الآلات خرجت رؤسها من الماء وطربت له ثم خرجت من الماء فيتراجع الآله قليلا قليلا والجواميس تتبعها حتى تصل الى اوطانها وحكى عن بعض اهل الهند ان الفيل اذا صيد امتنع عن الاكل والشرب فيؤتى ببعض الأت١٣٨ فلا يزال يسمعها فتطيب نفسه فياكل ويشرب (١٩٢) ويالف وحكى مثل هذا عن كثير من انواع الطير حتى شوهد ذلك بالعيان واخبر به الثقات ورواه اصحاب التواريخ كما فى الحليه وغيرها ويكفيك شاهدا على ذلك قول صاحب البردة واطرب العيس حادى العيس بالنغم فانه اعدل شاهد لهذا المدعى لمن القى السمع ووعى ومن المشاهد سرعة مشى الجمال عند غناء الحادى وخفة الاثقال عليها وقطعها واديا فواديا واذهاب ما يجده المسافر من عياء السفر وترويح النفس مما يكابده وتصفية الفكر مما لا ينكره الا من غلظ حسه وضعف حدسه واما الكلام على مطلق الغنا من حيث الحل والحرمة فامر كثِر فيه المقال وتعارضت فيه شواهد الاستدلال ومن جزم بالتحريم اراد سد الذريعة قاية حمى الشريعه وللشيخ ابن حجر المكى رسالة حافلة فى ذلك سماها كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع ويستنبط الحكم من الاسم المذكور كما اشار اليه بعض العلما مما هو فى غاية الظهور وقد رايت فى كتاب فرح الاسماع برخص السماع للعلامه الادفوى الشافعى (١٩٣) ان المشهور من مذهب الائمة الاربعة ان الضرب بالعود وما جرى مجراه حرام وذهبت طائفة الى جوازه ونقل سماعه عن عبدالله بن عمر وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن الزبير ومعوية بن ابى سفيان وعمرو ابن العاص وغيرهم ومن التابعين خارجة ابن زيد وعبدالرحمن بن حسان وسعيد ابن المسيب وعطاء بن ابى رباح والشعبى وابن ابى عتيق واكثر فقهاء اهل المدينة ونقل عن مالك سماعه وحكى اباحته الماوردى عن بعض الشافعية وقد قال الامام الشافعى رحمه الله تعالى لا يعذب على فعل اختلف فيه العلماء وقال ابن عبدالسلام ان الله تعالى لم يوجب على ان اكون حنفيا او شافعيا او مالكيا او حنبليا وانما الواجب عليهم اتباع الكتاب المنزل والنبى المرسل ومن اقتدى بقول عالم سقط الملام والسلام انتهى قلت لكنى اقول بطريق الاقتدا بابى حنيفه رحمه الله بحرمة السماع وارجو ان اثاب بهذا الاعتقاد ومن اتصف بالسماع وكان (١٩٤) داعيه لديه مطاع فقد ذكر العلامة الامام الشعرانى نفع الله بعلومه النافعه فى المبحث الرابع والخمسين من التَواقيت نكتة جلية خفية وهى ان العبد المؤمن لا تخلص له معصية قط محضة فلابد من تشوبها بالطاعة وتلك الطاعة هى ايمانه بانها معصية تسخط الله تعالى عليه فهو من الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم اى يرجع عليهم بالرحمة قال العلماء وعسى من الله تعالى واجبه الوقوع من حيث ان رحمته بالمسلمين سبقت غضبه لطيفة كان ابن الجوزى يعظ فى بغداد فانجر كلامه الى النضوف حتى انشد هذين البيتين
.: اصبحت الطف من مر النسيم على .: زهر الرياض يكاد الوهم يولمنى .:
.: من كل معنى لطيف اجتلى فرحا .: وكل ناطقه فى الكون تطربنى .:
فقال بعض الحاضرين يا شيخ فان كان الناطق حمارا قال ابن الجوزى اقول له اسكت يا حمار ورايت فى تذكرة ابن فهد المكى المحدث ومن خطه نقلت قال ذكر شيخنا الحافظ شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوى نزيل الحرمين الشريفين فى تاريخه للمدينه (١٩٥) ان الامام ابا اسحق ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهرى قاضى المدن ونزيل نغداد١٣٩ كان من العلماء الثقات اسود اللون ونقل ان ابن عدى قال هو من ثقات المسلمين حدث عنه جماعة من الائمة ولم يختلف احد عن الكتابة عنه وقول من تكلم فيه تجاهل وله احاديث صحيحة مستقيمة عن الزهرى وغيره انتهى وقد نزل بغداد وكان على بيت المال فيها فيما قاله غير واحد وقال ابن حبان انه كان على قضائها وقدم بغْداد فيما قاله عبيد الله بن سعد عن ابيه كما هو عند الخطيب البغدادى فى تاريخه ســـــــــنه ١٨٧ فاكرمه الرشيد واظهر بره وسئل عن الغنا فافتى بتحليله فاتاه بعض اصحاب الحديث ليسمع منه فسمعه يتغنى فقال لقد كنت حريصا على ان اسمع منك فقال انا لا افقد الا شخصك وعلى كذا وكذا ان حدثت ببغداد ديثا حتى اغنى قبلهُ هذه عنه فبلغ ذلك الرشيد فاستدعى به فساله عن حديث المخرومية١٤٠ التى قطعها رسول الله (١٩٦) صلى الله عليه وسلم فى السرقة فدعا بعود فقال له الرشيد اعود البخور تريد قال لا ولكن عود الطرب فتبسم ابراهيم فقال لعلك يا امير المؤمنين بلغك حديث هذا السفيه الذى افتانا بالامس والجانى الى ان حلفت قال نعم ودعا له الرشيد بعود فقال " يا ام طلحة ان البين قد ازفا على النواء لان كان الرحيل غدا " فقال الرشيد من كان من فقهائكم يكره السماع قال من ربطه الله قال فهل بلغك عن مالك فى هذا شيء قال اخبرنى ابى انهم اجتمعوا فى مدعاة كانت فى بنى يربوع وهم يومئذ جلة ومعهم دفوف ومعازف وعيدان يغنون ويلعبون ومع مالك دف مربع وهو يغنيهم
.: سلمى اجمعت بينا .: فاين لها وما اينا .:
.: وقد قالت لا تراب لها زهر تلاقينا .: تعالين فقد طاب لنا العيش تعالين .:
فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم ولذا قال الخطيب انه كان يجيز الغنا وقد الف فى اباحة الغنا جماعه من العلما المتقين خصوصا الصوفية والمحدثين واكثرهم فائده الامتاع باحكام السماع تاليف العلامة كمال الدين ابى الفضل جعفر بن ثعلب وهو فى مجلد حافل وله ايضا كشف القناع فى حل السماع ومات فى منتصف شوال سنه ٦٨٥ ولشيخ الصوفيه الامام ابى الطيب ابراهيم بن محمود المواهبى (١٩٧) تاليف سماه فرح السماع يأباحة١٤١ السماع ونقلت فى الكراسة السادسة ما لخصته من كتاب التصرف فى شرح التعرف فى التصوف للشيخ علاء الدين القونوى فائدة فيمن قال باباحة السماع من العلماء كالحافظ بن حزم ومحمد بن طاهر المقدسى ولثانيهما تيه (؟)١٤٢ تاليف ذكر عن سواله من السماع لشيخه الشريف ابى على الهاشمى فاجابه فى حضرته فى دار شيخه ابى الحسن التميمى فى دعوة عملها لاصحابه فحضرها جمع من الشيوخ المالكية والشافعيه والمحدثين والوعاظ والزهاد والمتكلمين وقالوا لو سقط السقف عليهم لم يبق بالعراق من يفتى فى حادثه بسنة كما تقدم ذكره مفصلا وقال اخر ممن اباحه من الائمة المقتدى بهم الشيخ ابو اسحق الشيرازى وحضره من المتاخرين الشيخ عز الدين بن عبدالسلام والقاضى تقى الدين بن دقيق العيد انتهى ما نقلته من تذكرة ابن فهد ورايت فى التذكرة المذكورة ما صورته قال الحسين بن رحمان بينا انا مار فى بعض طرق المدينة نصف النهار اذ خلا لى الطريق فاندفعت اغنى بيتين لجرير .:. .:. . (١٩٨)
.: ما بال اهلك اية .: جرزوا كانهم غضاب .:
.: ان جئت اهلك او عدوا .: وشهر دونهم الكلاب .:
فما كان اسرع ان فتح باب وخرج منه راس تتبعه لحية حمرا فقال لى قبحك الله لقد اذعت الفاحشة ومنعت القائلة واسات التاديب خذه عنى واندفع يُغنيه فظننته طويسا قد عاش فلما فرغ قال لى اتدرى من اين هذا قلت لا قال فانى لما نشات لزمت المغنيين فبلغ بى ما ترى من حسن الغنا فقالت لى امى يابنى انك انك١٤٣ قبيح الوجه لم تحظ عند الناس افلا ادلك على صناعة لا يضرك معك(؟) ولا فيها قبح الوجه ولا لوم الحسب قلت بلى قالت عليك بالعلم فلزمت العلماء فبلغ الله باشتغالى به الى ما ترى من الرفعة فقلت دعنى من هذا واعد على الصوت قال ولا كرامة تريد ان تقول اخذته من مالك بن انس فاذا هو مالك بن انس فقيه المدينه انتهى قلت ودلائل الوضع ظاهرة على هذه القصه غير ان ناقل الكفر ليس بكافر والله تعالى اعلم بالسرائر غير انى (١٩٩) رايت ذلك منقولا فى غير هذا الموضع وذلك انه نقل فى تشنيف الاسماع باحكام السماع قال ابو طالب المكى فى قوت القلوب السماع حلال وحرام وشبهه وذكر الصرخدى بعد ان ذكر ان اكثر الصحابة قد اباحه واما عثمن بن عفان رضى الله عنه فكان له جاريتان تغنيان له فاذا كان وقت السحر قال لهما امسكا فان هذا وقت الاستغفار وذكر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قريبا من ذلك ثم اطال فى اخبار الصحابة رضى الله تعالى عنهم فمن ذلك ما حكى الماوردى ان معاوية وعمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما مضيا الى عبدالله بن جعفر بن ابى طالب لما استكثر من من١٤٤ سماع الغنا واليه واشتغل به ليكلماه فى ذلك فلما دخلا عليه سكتت الجوارى فقال له معوية مرهن فليرجعن الى ما كان فيه فرجعن فغنين فطرب معاوية وحرك رجليه على السرير فقال له عمرو بن العاص ان من حيث تلحاه احسن حالا منك فقال معوية اليك يا عمرو فان الكريم طروب واما ابو حنيفة فحكى ابن قتيبه وغيره انه كان له جار يغنى فى كل ليلة ويقول اضاعونى واى فتى اضاعوا ليوم الكريهة (٢٠٠) وسعاد ثغر وكان يستمع اليه وانه قد فقد صوته فسال عنه فقيل له انه مسجون فسعى الى الامير ففكه تضمنت هذه الحكاية انه كان يستمع اليه ولم ينهه فدل على اباحة عنده وما ورد عنه بخلافه يحمل على الغنا بشئ من الفحش واما الامام مالك رحه فحكى الاباحة عنه القشيرى والاستاذ ابو منصور والقفال وحكى ابو الفرج الاصفهانى فى كتاب الاغانى وابن حمدون صاحب التذكرة انه سمع من يغنى على غير صواب فاخرج راسه من كوة وغناه على الصواب فساله ذلك الشخص ان يعيده فقال حتى تقول اخذته عن مالك بن انس واما الامام الشافعى رحه فقال الغزالى ليس تحريم الغنا مذهبه وروى الاستاذ عن يونس عن عبد الاعلى ان الامام الشافعى رحه صحبه الى مجلس فيه غناء قال فلما فرغ قال استطيبت فقلت لا فقال ان صدق قولك فحالك(؟) حسن صحيح واما الامام احمد بن حنبل رحه فقال ابن عقيل فى كتابه الفصول صحت الرواية عن احمد انه سمع الغناء عند ابنه صالح فقال له ابنه يا ابت الست كنت تكرهه فقال قيل لنا انهم يستعملون المنكر معه قال ابو طالب المكى فى قوت القلوب كان ابن مجاهد (٢٠١) لا يجيب دعوة الا ان يكون فيها سماعا انتهى بحمد الله تعالى وحسن توفيقه غفر الله لكاتبه امين سنة الف وثلاثمائه وواحد تم تم سنه ١٣٠١ هـ

قد تم نسخه بحمد الله تعالى غفر الله لكاتبه امين والمسلمين ٣ من شهر شعبان المكرم سنه ١٣٥٩ هـ عصر يوم الجمعة

تم تصحيحه على نسخة الأصل فى اليوم الرابع عشر من شهر شعبان المعظم سنة١٤٥ ٣٥٩ والحمد لله اولا واخرا
(٢٠٢)




Notes


١٣٨الآلات
١٣٩بغداد
١٤٠المخزومية
١٤١بإباحة
١٤٢احتمال: فيه
١٤٣تكرار بالأصل
١٤٤تكرار بالأصل
١٤٥١٣٥٩