العمل فى دفع مضار الحيوان المتولد فى البساتين وغيرها كعروق الارض وما اشبهها: ووجه الحيلة فى ذلك انها اذا قطعت الارض احواضا عند ما يراد زراعتها على ما ذكرناه فى باب الزراعة والغرس قبل هذا عمدت الى رماد الحمام ففرشت على وجه الارض منه فرشة نحو غلظ الاصبع ثم يكون الزبل فوق هذا الرماد ثم تزرع الزريعة فى الاحواض على ما تقدم، فان الحيوان المذكور اذا خرج من الارض يريد النبات وجد الرماد فيهرب ويرتدع فيكون الرماد حجابا بين النبات والحيوان المضر ان شاء الله
فصل: ومن اراد استجلاب اعشاب البرية الى جنانه مثل السيكران والضومران وسائر ذلك مما ينتفع به، فينبغى ان ترقبها حتى تطيب وتسقط زريعتها فيجمعها عند ذلك فيملكها عند نفسه فان زرعتها فى الزمان الذى تسقط فهو موافق لها، وان شاء تركها الى الوقت الذى تنبت فيه فى موضعها وان شاء زرعها قبل فصل الربيع بثلاثين يوما، هذا اذا كان النبات من الحشيش الذى لا يقوم من النوى واما الذى يقوم من النوى فله وقت معروف وهو الوقت الذى يطيب فيه ويحين اكله ان كان مما يوكل يزرع ذلك الوقت لا يخالف به الى غيره وينبغى ان ينظر الى الارض التى توخذ منها هذه الحشائش ان كانت ارضا خشنة او مدمنة او رملة او مضرسة او اى صفة هى، فتزرعها فى مثل تلك الارض او تخص مثل {P.174} ذلك التراب الذى كانت فيه ومتى لم تفعل ذلك لم تنجب وتنقطع فى مدة يسيرة وكذلك يفعل اذا اراد ان يعلم ما يوافقه من الغذاء فانه ينظر الى موضع النبات الذى نبت فيه، فان كانت ارضا ممرجة او سبخة او كانت فى جبل رطب كثير الماء او ارض صحراوية وينظر الى النبات كيف كانت نجابته ذلك العام من قلة الماء او كثرته ويعمل على حسب ذلك، واما زراريع البرية المجهولة فينبغى ان تحضر لها القصارى وتجعل فى كل قصرية منها صنفا من التراب فياخذ من تلك الزريعة ويبدأ بزراعتها فى شهر يناير ويجعل منها فى كل قصرية شيئا يسيرا وكذلك يفعل فى شهر فبراير ومارس وابريل وهو آخر وقتها، فبهذا العمل يعلم الشهر الذى يوافقه والمكان الذى يشاكله ويجعل القصارى للهواء فان كان الربيع كثيرا [كثير] المطر ذلك العام لم يحتج الى سقى، وان كان قليل المطر سقيت القصارى بالماء فانها لا يضرها طول مقامها تحت الارض، فاذا نبتت الزريعة واعتدل نباتها فحينئذ يضرها الماء الكثير فيرد سقيه الى مرتين فى الجمعة ان رأى ان ذلك يضر بها خفف السقى وردة [ورده؟] الى مرة فى الجمعة.
فصل: وينبغى لمن اراد فتح بير فى جنة ان ينظر الى الموضع المرتفع فيها وينقى ان كان يقرب من باب الجنة، فان كان كذلك فهو احسن واصون للجنة، واما ارتفاع البئر فان ماءها يصل سريعا الى اسفل الجنة واما قربها من الباب فان كل من يدخل الى الجنة ممن يرد عليها انما يقصد الى المكان الذى فيه الماء فان كانت عند الباب لم يتجاوزها الا لضرورة او حاجة
فاذا كانت الجنة على نهر فالوجه ان تفتح البير على مقربة من النهر وينسرب ماء النهر الى تلك البير فالفائدة من ذلك انه لا ينقص البير الا بنقصان النهر وحبلها ابدا موزون لا يزاد فيه ولا ينقص لان النهر يمدها وان كانت البير غير مسربة الى النهر، فان حبلها يزيد وينقص وتنكسر القواديس فيها من اجل {P.175} ذلك وقد يحتال لهذا البير فلا تنكسر قواديس، ووجه ذلك ان يدخل فى قاع البير لولب مكسور الاحرف املس ويكون فى طرفه منخسان من حديد وتكون المواضع التى تجرى فيها المناخس فى لوح يكون فى سعة شبر وارتفاعه مقدار القامة قد انزلت فى تلك المواضع خرزات من حديد ليكون جرى اللولب فيها سريعا يتحرك باقل شىء يمسه، ويجعل فوق اللولب عوارض كعوارض السلم من اللوح، ويشد بالضرب حتى لا يتحرك بوجه ويدخل حبل السانية من تحت اللولب ويضم اليها ضما جيدا ويستوثق منه الا يترك فاذا تحركت السانية تحرك اللولب بحركتها، فبهذا العمل تسلم القواديس ولا تنكسر بوجه من الوجوه ان شاء الله
وينبغى لمن اراد ان يفتح بيرا ان يترجى ذلك فى شهر اغشت والعلة فى ذلك ما ذكره الاوائل من اهل الهندسة والمعرفة بهذا المعنى وهو ان الشمس اذا سامتت1 الارض جففت رطوباتها [رطوبتها؟] فانجذبت الى اسفل وتقرب من وجه الارض ولا تزال الرطوبة تنتقل كذلك الى شهر اغشت وهو آخر الحر يتناهى بعد الماء من وجه الارض وهذا معروف بالعيان موجود بالحس.
ومما يستدل به على بعد الماء وقربه وقلته وكثرته ان ينظر الى الموضع فان كان ينبت البطم والعليق والبردى والسعد والحماض والعوسج الصغير وهو الحلب ولسان الثور وكزبرة الببر والبابونج واكليل الملوك والضومران والدم، فانه حيث كان هذا الحشيش كله او بعضه دائم نباته قوى غض كثير ورقه ملتف وهو دليل على كثرة الماء فى باطن الارض وعلى قدر غضارته وتنعمه يكون قرب الماء فى ذلك الموضع والله اعلم.
ومما يستدل به ايضا على كثرة الماء فى موضع الماء وعذوبته او مرارته ان يحفر
فى ذلك الموضع الذى ظهرت فيه علامة الحشيش {P.176} الذى قدمنا ذكره حفرة يكون عمقها ثلاثة اذرع وتصنع نصف كورة مجوفة من نحاس او رصاص او دوم فان كانت من دوم طلى داخلها بالشمع المذاب او الزفت ويكون قدرها ان تسع عشرة ارطال من الماء او اكثر من ذلك ثم تأخذ شيئا من صوف مغسول ويربط بخيط ويلصق ذلك الخيط فى قاع الاناء ويقلب ذلك الاناء على فيه فى قاع الحفرة ولا تبلغ الصوف الى الارض ثم يجعل حوله ورق خضر او عشب رطب لين ويغطى به الاناء على قدر ارتفاع الذراع ويردم ما بقى من الحفرة بالتراب. يفعل ذلك بها عند غروب الشمس فاذا كان من الغد قبل طلوع الشمس رفع التراب والعشب رفعا رفيقا ثم يقلب الاناء وينظر الى داخله فان كان الصوف قد ابتل بالماء والاناء كذلك علم ان فى ذلك الموضع الماء الكثير ثم يستطعم الماء الذى فى الصوفة، فان وجد عذبا فماء ذلك الموضع عذب وان كان مرا او ملحا فماء ذلك الموضع كذلك وان انت لم نجد [تجد] فى الصوفة ماء ولا رأيت فى ذلك الموضع من العلامة شيئا اعلم بان ذلك الموضع لا ماء فيه البتة
وهذا مما جربه صاحب النسخة واختبره فوجده كما وصفه ومما جربه ايضا فى معرفة طعم الماء ان يحفر حفرة على قدر ما تريد ثم تاخذ من تراب اسفل الحفرة شيئا وتجعله فى صحيفة وتلقى عليه من الماء الحلو مثل ماء المطر وما اشبهه وتحرك ذلك التراب بالماء وتتركه الى غذ ثم تذوق ذلك الماء فان وجدته عذبا فماء ذلك الموضع عذب وان وجدته على خلاف ذلك فهو ما تجده.
فصل: واذا كانت البير بعيدة الرشا على عشرين قامة فصاعدا او ضعف استخراج الماء منها وثقل على الدابة حبل سانيتها فوجه الحيلة فى تخفيفها وتسهيلها ان تنصب سانيتها على فمها على حسب ما تنصب سائر السواني ثم يعمد الى القايم الذى فيه المغازل القايمة فيقطع ما بقى منه فوق الدور ويترك منه نحو شبر ويقرض سائر ذلك ثم يثقب فى نصف ذلك القايم الذى بقى {P.177} من القايم ثقبة وتدخل فى تلك الثقبة الطمون فيثقب فيه ثقبتين ويبعد بينهما على حسب ما تسع الدابة بين تلك الثقبتين بكفلها وتدخل فى تلك الثقبتين المجابد من الحبال الذى2 اليه الدابة ثم يصنع على الطمون سرير بين الثقبتين المصنوعتين للمجابد ثم يوتى بثقالة من الحجارة نحو اربعة ارباع او خمسة فتوضع على السرير المصنوع وتكون الثقالة بازاء كفل الدابة ولا تكون معلقة الى الارض وانما تكون على السرير المذكور، فبهذا العمل يسهل على الدابة اخراج الماء من البير العميقة ولو بلغ عمقها مائة قامة ولا تجد الدابة لهذه الثقالة الموازية لكفلها مؤونة ولا ثقلا بل اقل شىء يحرك هذه السانية فان خيف على الطمون الاعوجاج او غير ذلك لطوله فليعمد الى القائم ويثقب فى الذى ترك منه ثقبتان احداهما فوق الطمون والاخرى تحته ثم يدخل فيهما عود ان يكون غلظهما معا قرب غلظ الطمون وينزل انزالا جيدا فى الطمون ويلوز فيه وتجمع الاطراف فى نصف الطمون بحلقة حديد وتزم زما جيدا فان كان الطمون من ثلاثين شبرا كان العودان من خمسة عشر شبرا وان كان الطمون اقل من ثلاثين فكذلك ينقص من العودين بحسب ذلك وبهذا العمل يتقوى الطمون ولا يخاف عليه الاعوجاج
فصل: وقد يتفاضل سائر الآبار بالقلة والكثرة والبعد والقرب وهى متقاربة الاماكن وفى سطح واحد والعلة فى ذلك ان العيون التى تتفجر على وجه الارض انما هى عروق من حصى او رمل يندفع من تحت الارض من المكان الذى فيه الماء الى ذلك العرق فان اتصل ذلك العرق بوجه الارض جرى الماء فى ذلك المكان اذ ليس للماء شىء يمسكه فى طريقه وذلك من جهة العيان لانك لا تقدر على قطع ساقيه برمل ولا حجارة، لانه لا بد للماء ان يعود فيهما وكذلك هذه العروق المندفعة من تحت الارض الى وجهه
{P.178} فان قيل فانا قد نجد العروق من الحجارة والرمل على وجه الارض ولم نجد الماء يخرج فيه، فالجواب فيه انه لو اتصل هذا العرق الذى على وجه الارض بالماء الذى تحت الارض لخرج الماء لا محالة وانما امتنع من ذلك من اجل ان العرق انقطع دون الماء تحت الارض فلم يصل الى الماء واذا كان العرق رخصا كان الماء كثيرا معينا وان كان رملا كان دون ذلك فى القوة والكثرة فهذا اصل بعد مياه الآبار لان بهذا العروق التى ذكرنا ربما انقطعت قبل ان تصل الى وجه الارض بقامة او قامتين او اكثر من ذلك فبقدر ذلك يكون بعد الماء وقربه وكثرته وقلته وربما كان احد العرقين حصى والآخر رملا فكان الماء المندفع فى الحصى اكثر واقوى كما ذكرنا قبل هذا، واما اذا كان العرق كدانا فلا يكون الماء منه الا رشحا لا خطر له، لان الكدان يمسكه بقوة فيندفع شيئا بعد شىء فهذه علة فى الكثرة والقلة وغير ذلك.
فصل: واذا فتح رجل بيرا فى موضع وخرج له من الماء ما يكفيه ثم فتح رجل آخر الى جنبه بيرا ووافق ذلك العرق الذى تندفع فيه المادة الى البير الاول فامعن هذا الآخر بالحفر ولم يقنع بما خرج له من الماء ووصل الحفر الى الطين الذى على الماء وثقبه واخذ الماء على الحصى، فاذا فعل هذا رجعت المادة من البير الاول الى الثانية لان ماء البير الاول كان رشحا فلم يثبت الا طول ما كان مسجنا تحت الارض ولم يجد منفذا الى غير الاول ولو ان صاحب البير الاول كسر الطين واخذ الماء الحصى لم ينقص فى بيره الماء البتة ولو قربت البير الاخرى من بيره على ذراعين او ثلاثة ولهذه العلة يشتكى الناس الضرر بعضهم من بعض فى الآبار المتجاورة التى تكون فى سطح واحد، وتندفع المواد اليها من عرق واحد وذلك ان المواد الضعيفة تنجذب الى القوية ووجه العمل فى هذا اذا نزل ان ينظر الى عمق البير القديمة، فيعرف قدر ذلك وتستطعم فيعرف طعمها ثم ينظر الى البير المحدثة وتستطعم ايضا ويوخذ بعدها {P.179} فان كان طعمها واحدا او وجد البير المحدثة اكثر انخفاضا واعمق من القديمة علم ان ماء البير القديمة انحط الى البير المحدثة فيحكم عليه بما توجبه السنة من الردم وقد كان الوجه عندنا فى ذلك ان يومر الآخر بردم بيره، اذ العلة فى ذلك بينة وهو ما ذكرناه واما اذا استطعمت البيران فكان طعمهما مختلفا وهى مختلفة فى البعد فلا اعتراض لواحد منهما على صاحبه لان ماء البيرين ليس من عرق واحد وكذلك ان كان طعمهما واحدا وكانت البير القديمة اعمق من المحدثة لم يحكم لصاحب البير القديمة على صاحب المحدثة بشىء واذا اشتكى صاحب البير القديمةالضر من البير المحدثة وصاحب البير القديمة لا ينقص ماؤه ولكنه يشتكى الضرر لقربها منه، فوجه العمل فى ذلك ان تعلق على البير المحدثة ساقية ودابة ويزق ماؤها يوما كاملا، فاذا افعل ذلك ولم ينقص الماء من البير القديمة فلا ضرر فى البير المحدثة عليه ولو كان بينهما من القرب مقدار عشرة اذرع وهذا وجه صحيح ان شاء الله.
فصل: ومن جيد اعمال اهل الفلاحة احكام العمل فى اختزان الثمار وعلاجها حتى لا تفسد فمن ذلك التفاح، وجه العمل فيه ان يترك فى ثمره حتى يتناهى طيبه وذلك فى شهر اكتوبر ثم يجمع بالليل ويحتفظ به الا ينجرح منه شىء ولا يتطبع فيه موضع ثم تعد له الازبار ويفرش فى قيعانها من مساقة الكتان فرشا خفيفا ثم يرتب التفاح على تلك المساقة تصف فيه واحدة بجنب الاخرى فان تسامت لم يضرها ذلك ولا تجعل واحدة على الاخرى الا بعد ان يفرش بينهما من المساقة مثل ما جعل فى قيعان الازبار يجعل فرش من تفاح وفرش من مساقة فاذا امتلأت الظروف منه غطى التفاح بالمساقة. فبهذا العمل يبقى الى شهر يونيه ويلحق بعضه بعضا الا انه يتعاهد كل ثلاثين يوما وينقى منه ما يتطبع ليلا يفسد بعضه بعضا ويكون البيت الذى يدخر فيه باردا فهذا حكمه.
وهكذا يصنع بالرمان يجمع منها الصحيح السالم الذى لم {P.180} يتشقق ويتلطف به كما يفعل بالتفاح وتملأ منه الظروف دون مساقة ولا غيرها ثم يجعل من المساقة على فم الظروف ويرد الغطاء عليها ويلصق بالجص ويتعاهد كل شهر كما ذكرنا وينقى منه ما يعفن وله وجه آخر وهو ان تجمع السالم من الرمان ويحفر له حفرة مثل القبر ويفرش اسفلها بالرمل ثم يجعل طاقة من الرمان وطاقة من الرمل يفعل هذا الى ان تقرب الحفرة ان تملأ ثم يرد على تلك الحفرة غطاؤها المعد لها ويطرح التراب على ذلك الغطاء ويكون هذا الفعل فى كل مكان من البساتين وغيرها ويبقى طريا العام كله كأنه قد قطف فى ذلك الوقت من شجره
فصل: واما ادخار القسطل والبلوط والجوز واللوز والجلوز فوجه العمل فيها ان تأخذ عند جمعها اعنى القسطل والبلوط ما داما برطوبتهما ويحفر لهما حفرا على نحو ما وصفنا قبل هذا يكون فى غمق الحفرة ثلاثة اشبار وتكون الحفرة فى موضع يأخذها المطر فيه ثم يفرش قاع الحفرة بالرمل ثم تملأ الحفرة من القسطل والبلوط ويترك بينهما وبين فم الحفرة نحو شبر ويجعل عليه الرمل وتعدل فم الحفرة به وتسوى مع وجه الارض وتنقى عند ذلك مرة واحدة لا اكثر عند الفراغ من تغطيتها، فبهذا العمل يوكل اخضر مدة ستة اشهر واكثر من ذلك، واما الجوز واللوز والجلوز فالعمل فيها كما ذكرنا فى القسطل لمن احب ذلك ولا يكون ادخارها الا عند جمعها فى وقتها الذى يطيب فيه وهو شهر شتنبر، وينبغى الا يختزن الجوز واللوز حتى يقشر من القشرة العليا وهى الخضراء ثم يغسله بالماء غسلا جيدا ثم يبسط [يبسطا؟] ويتركا اياما حتى تذهب رطوبتهما ويصفر لونهما فانه اذا فعل هذا بهما حسن لونهما ويصبرا بهذا العمل سنتين لا يتغيران وان تركا بغير غسل وادخرا تكونت فيهما حرارة قوية وبشاعة وزطومة (كذا) ويوذى بعضه بعضا بذلك فلا يصبر الا يسيرا فحكمه كما ذكرنا ان شاء الله تعالى.