Ibn Baṣṣāl, Kitāb al-qaṣd wa’l-bayān.


[P.105] الباب التاسع وهو باب جامع فى بعض التركيب و اسراره وغرائب من اعماله

قد تقدم الكلام فى امهات الاجناس وهى ذوات المياه وذوات الاصماغ وذوات الالبان وذوات الادهان وان هذه الاجناس لا يتركب منها جنس فى غيره لتباعدها وتنافرها، الا انه قد يمكن بعض ذلك فيها بمعنى لطيف وعمل غريب

مثال ذلك ان تريد تركيب شجر التين فى الزيتون فوجه الحيلة فى ذلك ان تقصد الى فرع من الزيتونة فتنشره وتشقه على حسب ما قدمنا فى سائر الابواب، ويكون هذا الشق اطول قليلا مما تقدم، ثم تصنع من الفرع المقطوع بعينه لزايز فى غلظ الاصبع، وتنزل تلك اللزايز مع جنبى الفرع المشقوق، وتنزل نزولا جيدا على مثال ما يصنع فى تركيب الشق يكون فى الجانب الواحد من الفرع لزاير وفى الآخر كذلك ويكون الشق مفتوحاً فى جوف الفرع يسعوا (كذا) فى ذلك الشق اصبعان (كذا) او ثلاثة ثم يقصد الى ظرف جيد نحو صحيفة واسعة او قادوس كبير ويثقب من اسفل ذلك الظرف ثقبة على قدر ما يسع الفرع المنشور فيها ويصنع خلخال اسفل الفرع المنشور بثلثى شبر ونحوه وينزل ذلك الظرف على ذلك الخلخال ثم يوخذ الطين الطيب اللزج المخدوم مثل طين الفخارين، ويبيض به حول الثقبة التى فى الظرف ويشد به ثم يوخذ من الزبل البالى المتقادم جزء ومن التربة السوداء المدمنة جزء ومن الزبل1 جزء ويخلط الجميع خلطا جيدا ويغربل بغربال {P.106 } الطعام ثم يملأ منه الشق الذى فى الفرع ويجعل باقيه فى الظرف ثم توخذ الزريعة من التين وتدفن فى ذلك الشق وتغطى بالتراب وتسقى بالماء فيصير ما فى القادوس ارضا وتراعى بالسقى ليلا يجف ارضها فان الزريعة تنبت فى الشق لا محالة وتتمكن وتغوص الاصول فى شق الثمرة وتلتحم معها فاذا تمكنت ونبتت نزع الظرف

وهذا هو وجه العمل فيه ان شاء الله وهكذا الصنيع بزريعة التفاح والاترج والورد وما اشبههما [شبهها] تركيبها فى هذا العمل فى اى جنس شئت ومن احب ان لا يزرع الزريعة وامكنه ان يأخذ الفرع الذى ينبت من الزريعة باصوله ويغرسه فى الشق المذكور ويسقيه بالماء ويتعاهد به الى ان ينبت ويتمكن فهو اعجل واقرب ان شاء الله عز وجل.

وان كان هذا المزروع مما له نواة مثل البرقوق واللوز وعيون البقر وما اشبه هذا، فالعمل فى زراعته كما تقدم الا انك تضرب بمقدار اصبعين من التراب او الرمل وتتعاهده بالماء ليلا يجف له ارض الى ان ينبت ويتمكن ان شاء الله تعالى

فصل: واذا اردت ان تركب الورد فى العنب او اللوز او التفاح فوجه العمل فى اخذ هذا القلم ان تكشف عن اصول الورد وتأخذ الاقلام من تلك المواضع الصلاب منه فهى التى تنبت وتمكن وذلك ان قضيب الورد وضم كله فاذا اخذ القلم من فروعه لم ينتفع به فالوجه ان يوخذ كما ذكرنا ويقصد الى الطفها وارقها ويكون تركيبها فى اللوز والعنب والتفاح بالشق على ما وصفنا قبل هذا فى تركيب الشق فى سالف الابواب من نشر الثمرة واخراج النشر وعمل الخلخال وانزال القادوس قبل هذا على ما ذكرته فيما تقدم.

فصل: واعلم ان عمدة التركيب ومداره على معرفة اخذ الاقلام والمراعاة لاوقاتها واحوالها، فنقول ان الثمار يتقدم بعضها بعضاً فى اللقح ويتأخر واذا ضرب بالقلم فى اللقح فلا خير فيه فى ذلك العام للتركيب، فاذا قطع القلم قبل ان يلقح وحضن عليه يبقى الى {P.107} الوقت الذى يحتاج إليه لا يتغير ولا يكون اخذه الا وقت جرى الماء فى الثمار، وتحركه فيها فيقصد اليها حينئذ وتتخير منها الاقلام الموافقة للتركيب وهى التى لم يمسها ضرر وتكون متعقدة متقاربة العقد ويكون غلظها مثل المسلة او اغلظ قليلا، فاذا اخذت على هذه الصفة وربطت مجموعها ويحفر لها حفرة من نحو الذراع، وتجعل فيها الاقلام ويرد عليها التراب، واذا احتيج اليها اخرجت وبريت على ما يحتاج اليه من الرومى او الشق ثم تجعل فى الماء ثم يعمد الى الثمرة التى يراد ان تركب فيها او تقشر على ما تقدم، وان كانت الثمرة التى يراد ان يركب فيها قد لقحت لم يصرها ما نفعل بها من القطع، بخلاف القضيب الذى يراد التركيب فيه، فانه اذا لقح ثم قطع ليركب فى ثمرة اخرى لم ينجب اصلا، كذلك ما لقح وورق اذا قلع وغرس لم ينجب الا ان يقلع بجميع اصوله وعروقه وتضاف اليه الارض التى هى فيه وتشد بالحصير والحبال، فاذا فعل هذا بها نبتت وتمكنت، وكذلك الملوخ اذا لقحت ثم ملخت وغرست لم تنبت بوجه من الوجوه، والعلة فى ذلك ان المواد فى الثمار راكدة ساكنة ما لم تلقح، فاذا لقحت تحركت المادة وجرت بسرعة فهى محتاجة الى ان تردفها مادة اخرى بسرعة ايضا، فهى اذا قطعت بعد اللقح لم تكن لها مادة تردفها الى بعد حين الى ان يلتئم التركيب او يلبث الغرس فيقارب الا من فى ذلك، فتنقطع المواد بعضها عن بعض لا يتلاحق فيكون ذلك سبب هلاكها.

واما الشجرة التى يركب فيها فبخلاف ذلك لانها اذا قطعت بعد لقحها ترددت فيها المادة وقويت، فاذا نزل فيها القلم دفعت اليه بسرعة ولقحت مادتها بمادة القلم الراكدة فيها بحركتها والتأما واتحدا بسرعة.

فصل: اعلم ان من الثمار ما يحتاج عند تركيبها الى الظروف ومنها ما لا يحتاج الى ذلك، ونحن نبين ذلك فنقول ان تركيب الاقلام ينقسم نوعين بالشق وبالرومى، فما كان من التفاح وعيون {P.108} البقر والاجاص واللوز والرمان والعنب والزيتون ونحوها مما لها المواد القوية، فانها متى ركب بعضها فى بعض ولم يخالف بها اعنى ان يركب التفاح فى التفاح والزيتون فى الزيتون، فهذه مستغنية عن واسطة، وهى الظروف ويكتفى بالطين فيها فقط، لانها تقوم بانفسها وتلقح وتنبت، وما كان من شجر التين اذا ركب بالشق والرومى فلا يستغنى عن القادوس لان شجره وخم، فاذا وسم بالشق تمكن فيه الهواء ووجدت الشمس السبيل اليه، وكذلك اذا ركب الورد فى اللوز او الفستق فى اللوز او الورد فى العنب او الرند فى الزيتون والزيتون فى الرند وفى الضرو، فهذه الثمار لا بد لها من الوسائط التى تجمع بينها وهى الظروف ولو كان التركيب اعنى ما يركب بالقلم فيحجب بالقادوس لكان احسن لان الظرف ينزل عليها بالتراب وتسقى بالماء وفى التراب تغرس جميع الاشياء وفيه تنبت والماء يغذى كل نبات فيصير التركيب كأنه مغروس فى تلك القواديس فلا يحرم شىء باذن الله تعالى هـ.


 

1 لعله: الرمل

تسمية أبواب هذا الكتاب وهي ستة عشر بابا الباب الأول: في ذكر المياه الباب الثاني: في ذكر الأرضين الباب الثالث: في ذكر السرقين (السماد) الباب الرابع: في اختيار الأرض وتدبيرها الباب الخامس: في غرس الثمار الباب السادس: وهو باب جامع لمعرفة كيفية ضروب الغراسات الباب السابع: في تشمير الثمار (تشذيب الأشجار) الباب الثامن: في تركيب الثمار بعضها من بعض (التلقيح) الباب التاسع: وهو باب جامع لبعض معاني التركيب وأسراره وغرائب من أعماله الباب العاشر: في زراعة الحبوب من القطاني وما أشبهها الباب الحادي عشر: في زراعة البزور المتخذة لإصلاح الأطعمة مثل التوابل وما أشبه الباب الثاني عشر: في زراعة القثاء والبطيخ وما أشبههما الباب الثالث عشر: في زراعة البقول ذوات الأصول الباب الرابع عشر: في زراعة خضر البقول الباب الخامس عشر: في زراعة الرياحين ذوات الزهر وما شاكلها من الأحباق الباب السادس عشر: وهو باب جامع لمعان غريبة ومنافع جسيمة من معرفة المياه والآبار واختزان الثمار وغير ذلك مما لا يستغنى عنه أهل الفلاحة